سورة النساء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله عز وجل: {وإذا حضر القسمة} يعني قسمة الميراث فعلى هذا القول يكون الخطاب للوارثين {أولو القربى} يعني القرابة الذين لا يرثون {واليتامى والمساكين} إنما قدم اليتامى لشدة ضعفهم وحاجتهم {فارزقوهم منه} أي فارضخوا لهم من المال قبل القسمة. واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم هذه الآية منسوخة بآية المواريث وهذا قبل نزول آية المواريث فلما نزلت آية المواريث جعلت لأهلها ونسخت هذه الآية وهي رواية مجاهد عن ابن عباس وقول سعيد بن المسيب وعكرمة والضحاك وقتادة وقال قوم هي محكمة غير منسوخة. وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس وهو قول أبي موسى الأشعري والحسن وأبي العالية والشعبي وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي والزهري ثم اختلف العلماء بعد القول بأنها محكمة هل هذا الأمر أمر وجوب أو ندب على قولين: أحدهما أنه واجب فقيل إن كان لوارث كبيراً وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئاً من المال بقدر تطيب به نفسه وأن الوارث صغيراً وجب على الولي أن يعتذر إليهم ويقول إني لا أملك هذا المال وهو لهؤلاء الضعفاء. قال ابن عباس إن كان الورثة كباراً رضخوا لهم وإن كان الورثة صغاراً اعتذر إليهم فيقول الولي أو الوصي إني لا أملك هذا المال وإنما هو للصغار ولو كان لي منه شيء لأعيتطم وإن يكبروا فسيعرفوا حقكم هذا هو القول المعروف وقال بعضهم: هذا حق واجب في مال الصغار والكبار فإن كان الورثة كباراً تولوا إعطاءهم بأنفسهم وإن كانوا صغاراً أعطى وليهم. وروى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت وصنعت طعاماً لأجل هذه الآية وقال لولا هذه الاية لكان هذا من مالي، وقال الحسن والنخعي هذا الرضخ مختص بقسمة الأعيان فإذا آل الأمر إلى قسمة الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك فقولوا لهم قولاً معروفاً وقيل كانوا يعطون التابوت والأواني ورث الثياب والمتاع الذي يستحي من قسمته والقول الثاني إن هذا الأمر ندب واستحباب لا على سبيل الفرض والإيجاب وهذا القول هو الأصح الذي عليه العمل اليوم واحتجوا لهذا القول بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبينه الله تعالى كما بين سائر الحقوق فحيث لم يبين علمنا أن ذلك غير واجب وقيل في معنى الآية أن المراد بالقسمة الوصية فإذا حضر الوصية من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أمر الله الوصي أن يجعل لهم نصيباً من تلك الوصية ويقول لهم مع ذلك قولاً معروفاً وقوله: {وقولوا لهم قولاً معروفاً} هو أن لا يتبع العطية بالمن والأذى.


قوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً} يعني أولاداً صغاراً {وخافوا عليهم} يعني الفقر قيل هذا خطاب للذين يجلسون عند المريض وقد حضره الموت فيقول له انظر لنفسك فإن أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئاً قدم لنفسك أعتق وتصدق وأعط فلا يزالون به حتى يأتي على عامة ماله فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بأن يأمروه بالنظر لولده ولا يزيد على الثلث في وصيته ولا يجحف. والمعنى كما أنكم تكرهون بقاء أولادكم في الضعف والجوع من غير مال فاخشوا الله ولا تحملوا المريض على أن يحرم أولاده الصغار من ماله وحاصل هذا الكلام كما أنك لا ترضى مثل هذا الفعل لنفسك فلا ترضه لأخيك المسلم. وكما أنه لو كان هذا القائل هو الموصي لسره أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده ولا يدعهم عالى يتكففون الناس مع ضعفهم وعجزهم. وقيل هو الرجل يحضره الموت ويريد أن يوصي بشيء فيقول له من حضره من الرجال اتق الله وامسك أموالك لولدك فيمنعونه من الوصية لأقاربه المحتاجين وقيل الآية يحتمل أن تكون خطاباً لمن حضر أجله ويكون المقصود نهيه عن تكثير الوصية لئلا تبقى ورثته فقراء ضعافاً ضائعين بعد موته. ثم إن كانت هذه الآية نزلت قبل تقدير الثلث كان المراد منها أن لا يجعل الوصية مستغرقة للتركة وإن كانت قد نزلت بعد تقدير الثلث كان المراد منها أن يوصي بالثلث أو بأقل منه إذا خاف عل ورثته كما روى عن كثير من الصحابة أنهم أوصوا بالقليل لأجل ذلك وكانوا يقولون الخمس في الوصية أفضل من الربع والربع أفضل من الثلث. وقد ورد في الصحيح الثلث والثلث كثير لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس يعني يسألونهم بأكفهم وقيل هو خطاب لأولياء اليتامى والمعنى وليخش من خاف على ولده من بعد موته أن يضيع مال اليتيم الضعيف الذي هو ذرية غيره إذا كان في حجره والمقصود من الآية أن من كان في حجره يتيم فليحسن إليه وليه أو وصيه وليفعل به ما يحب أن يفعل بأولاده من بعده {فليتقوا الله} يعني في الأمر الذي تقدم ذكره {وليقولوا قولاً سديداً} يعني عدلاً وصواباً فالقول السديد من الجالسين عند المريض هو أن يأمروه أن يتصدق بدون الثلث ويترك الباقي لولده ورثته وأن لا يحيف في وصيته. والقول السديد من الأوصياء وأولياء اليتامى أن يكلموهم كما يكلمون أولادهم ولا يؤذوهم بقول ولا فعل قوله عز وجل: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} قال مقاتل وابن حبان نزلت في رجل من غطفان يقاله له مرثد بن زيد ولي مال يتيم وكان اليتيم ابن أخيه فأكله فأنزل الله هذه الآية: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} يعني حراماً بغير حق {إنما يأكلون في بطونهم ناراً} يعني سيأكلون يوم القيامة فسمي الذين يأكلون ناراً بما يؤول إليه أمرهم يوم القيامة.
قال السدي يبعث آكل مال اليتيم ظلماً يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأذنيه وعينيه وأنفه يعرفه من رآه بآكل مال اليتيم. وفي حديث أبي سعيد الخدري قال حدثني النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار يخرج من أسافلهم قلت يا جبريل من هؤلاء قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً. وقيل إنما ذكر أكل النار على سبيل التمثيل والتوسع في الكلام والمراد أن أكل مال اليتيم ظلماً يفضي به إلى النار وإنما خص الأكل بالذكر وإن كان المراد سائر أنواع الإتلافات وجميع التصرفات الرديئة المتلفة للمال لأن الضرر يحصل لكل ذلك لليتيم. فعبر عن جميع ذلك بالأكل لأنه معظم المقصود وإنما ذكر البطون للتأكيد فهو كقولك رأيت بعيني وسمعت بأذني {وسيصلون سعيراً} يعني بأكلهم أموال اليتامى ظلماً والسعير النار الموقدة المسعرة. ولما نزلت هذه الآية ثقل ذلك على الناس واحترزوا من مخالطة اليتامى وأموالهم بالكلية فشق ذلك على اليتامى فنزل قوله تعالى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} وقد توهم بعضهم أن قوله وإن تخالطوهم ناسخ لهذه الآية وهذا غلط ممن توهمه لأن هذه الآية واردة في المنع من أكل أموال اليتامى ظلماً وهذا لا يصير منسوخاً لأن أكل مال اليتيم بغير حق من أعظم الآثام وقوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} وارد على سبيل الإصلاح في أموال اليتامى والأحسان إليهم وهو من أعظم القرب.


قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية فروي عن جابر قال مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما يمشيان فوجداني أغمي عليّ فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه عليّ فأفقت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم جالس فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضى في مالي فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث، وفي رواية فقلت لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض وفي رواية أخرى فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم} وفي رواية أخرى فلم يرد على شيئاً حتى نزلت آية الميراث يستفتونك قل الله يفتيكم أخرجه البخاري ومسلم وقال مقاتل والكلبي: نزلت في أم كحة امرأة أوس بن ثابت وبناته. وقال عطاء نزلت في سعد بن الربيع النقيب استشهد يوم أحد وترك بنتين وامرأة وأخاً.
(ق) عن جابر رضي الله عنه قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلىلله عليه وسلم فقالت: «يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً ولا ينكحان إلا ولهما مال قال: يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال أعطِ ابنتي سعد الثلثين وأعطِ أمهما الثمن وما بقي فهو لك أخرجه الترمذي. وقال السدي: كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلماء لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة وخمس بنات فجاء الورثة وأخذوا ماله فشكت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة وقبل الشروع في تفسر هذه الآية الكريمة. نقدم فصولاً تتضمن أحكام الفرائض وأصول قواعدها.

فصل في الحث على تعليم الفرائض:
اعلم أن الفرائض من أعظم العلوم قدراً وأشرفها ذخراً وأفضلها ذكراً وهي ركن من أركان الشريعة وفرع من فروعها في الحقيقة اشتغل الصدر الأول من الصحابة بتحصيلها وتكلموا في فروعها وأصولها ويكفي في فضلها أن الله عز وجل تولى قسمتها بنفسه وأنزلها في كتابه مبينة من محل قدسه وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمها فيما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس فإني مقبوض» أخرجه الترمذي وقال فيه اضطراب وأخرجه أحمد بن حنبل وزاد فيه فإني امرؤ مقبوض والعلم مرفوع ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان أحداً يخبرهما.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم وهو أول علم ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي» أخرجه ابن ماجه والدارقطني.

فصل في بيان أحكام الفرائض:
إذا مات الميت وله يبدأ بتجهيزه من ماله ثم تقضي ديونه إن كان عليه دين ثم تنفذ وصاياه وما فضل بعد ذلك من ماله يقسم بين ورثته والوارثون من الرجال عشرة: الابن وابن الابن وإن سفل الأب والجد وإن علا والأخ سواء كان لأب وأم أو لأب أو لأم وابن الأخ للأب والأم أو للأب وإن سفل والعم للأب والأم أو للأب وابناهما وإن سفلوا والزوج والمعتق. والوارثات من النساء سبع: البنت وبنت الابن وإن سفلت. والأم والجدة وإن علت. والأخت من كل الجهات. والزوجة والمعتقة وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمان بالغير وهم: الأبوان والوالدان والزوجان لأنه ليس بينهم وبين الميت واسطة ثم الورثة ثلاثة أصناف: صنف يرث بالفرض المجرد وهم الزوجان والبنات والأخوات والأمهات والجدات وأولاد الأم وصنف يرث بالتعصيب وهم: البنون والإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم وصنف يرث بالتعصيب تارة وبالفرض أخرى وهما: الأب والجد فيرث بالتعصيب إذا لم يكن للميت ولد فإن كان له ابن ورث الأب بالفرض السدس وإن كانت بنت ورث السدس بالفرض وأخذ الباقي بالتعصيب والعصبة اسم لمن يأخذ جميع المال إذا انفرد ويأخذ ما فضل عن أصحاب الفرائض.

فصل:
وأسباب الإرث ثلاثة: نسب ونكاح وولاء فالنسب القرابة يرث بعضهم بعضاً والنكاح هو أن يرث أحد الزوجين من صاحبه بسبب النكاح والولاء هو أن المعتق وعصباته يرثون المعتق والأسباب التي تمنع الميراث أربعة: اختلاف الدين فالكافر لا يرث المسلم ولا المسلم يرث الكافر لما روي من أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» أخرجاه في الصحيحين. فأما الكفار فيرث بعضهم بعضاً مع اختلاف مللهم وأديانهم لأن الكفر كله ملة واحدة فذهب بعضهم إلى أن اختلاف الملل والكفر يمنع التوارث أيضاً حتى لا يرث اليهودي من النصراني ولا النصراني من المجوسي وإلى هذا ذهب الزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق لما روي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا توارث أهل ملتين» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتوارث أهل ملتين شتى» أخرجه أبو داود وحمله الآخرون على الإسلام والكفر لأن الكفر عندهم ملة واحدة فتوريث بعضهم من بعض لا يكون فيه إثبات التوارث بين ملتين شتى والرق يمنع الإرث لأن الرقيق ملك ولا ملك له فلا يرث ولا يورث والقتل يمنع الإرث عمداً كان القتل أو خطأ لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القاتل لا يرث» أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث لا يصح والذي عليه العمل عند أهل العلم أن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمداً أو خطأ. وقال بعضهم إذا كان القتل خطأ فإنه يرث وهو قول مالك وعمى الموت وهو أن يخفى موت المتوارثين وذلك بأن غرقاً أو انهدم عليهما بناء فلم يدر أيهما سبق موته فلا يرث أحدهما الآخر بل يكون إرث كل واحد منهما لما كانت حياته يقيناً بعد موته من ورثته.

فصل السهام المحدودة:
والسهام المحدودة في الفرائض المذكورة في كتاب الله عز وجل ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس فالنصف فرض خمسة: فرض خسمة: فرض الزوج عند عدم الولد وفرض البنت الواحدة للصلب أو بنت الابن عند عدم بنت الصلب وفرض الأخت الواحدة للأب والأم وفرض الأخت الواحدة للاب والأم وفرض الأخت الواحدة للأب إذا لم يكن ولد لأب وأم والربع فرض الزوج من الولد وفرض الزوجة مع عدم الولد والثمن فرض الزوجة مع الولد والثلثان فرض البنتين فصاعداً أو بنات الابن عند عدم بنات الصلب وفرض الأختين فصاعداً للأب والأم أو للأب والثلث فرض ثلاثة: فرض الأم إذا لم يكن للميت ولد ولا اثنان من الإخوة والأخوات إلاّ في مسألتين: إحداهما زوج وأبوان والأخرى زوجة وأبوان فإن للأم فيهما ثلث الباقي بعد نصيب الزوج أو الزوجة وفرض الاثنين فصاعداً من أولاد ذكرهم وأنثاهم فيه سواء وفرض الجد مع الإخوة إذا لم يكن في المسألة صاحب فرض وكان الثلث للجد خيراً من المقاسمة مع الإخوة والسدس فرض سبعة: فرض الأب إذا كان للميت ولد وفرض الأم إذا كان للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة والأخوات وفرض الجد إذا كان للميت ولد مع الإخوة إذا كان في المسألة صاحب فرض وكان السدس خير للجد من المقاسمة مع الإخوة وفرض الجدة والجدات، وفرض الواحد من أولاد الأم ذكراً كان أم أنثى وفرض بنات الابن مع بنت الصلب تكلمة الثلثين وفرض الأخوات للأب مع الأخت للأب والأم تكلمة الثلثين.
(ق) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي لأولى رجل ذكر».
(خ) عن ابن عباس قال كان المال للولد والوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك من أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع ا ه.

فصل:
روي عن زيد بن ثابت قال: ولد الأبناء بمنزلة إذا لم يكن دونهن ابن ذكرهمم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم يرثون ويحجبون كما يحجبون ولا يرث ولد ابن مع ابن ذكر فإن ترك ابنة وابن ابن ذكر كان للبنت النصف ولابن الابن ما بقي لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» ففي هذا الحديث دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض والحجب حجبان: حجب نقصان وحجب حرمان. أما الأول وهو حجب النقصان فهو أن الولد وولد الابن يحجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن والأم من الثلث إلى السدس وكذلك الاثنان من الإخوة والأخوات يحجبون الأم من الثلث إلى السدس. وأما الثاني وهو حجب الحرمان فهو أن الأم تسقط الجدات وأولاد الأم وهم الإخوة للأم يسقطون بأربعة بالأب والجد وإن علا وبالولد وولد الابن وأولاد الأب والأم وهم الإخوة للأب والأم يسقطون بثلاثة بالأب والابن وابن الابن وإن سفلوا ولا يسقطون بالجد على مذهب زيد بن ثابت. وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأولاد الأب يسقطون بهؤلاء الثلاثة وبالأخ للأب والأم وذهب قوم إلى أن الإخوة يسقطون جميعاً بالجد كما يسقطون بالأب. وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومعاذ وأبي الدرداء وعائشة. وبه قال الحسن وعطاء وطاوس وأبو حنيفة والأقرب من العصبات يسقط الأبعد منهم فاقربهم الابن ثم ابن الابن وإن سفل ثم الأب ثم الجد وإن علا فإن كان مع الجد أحد من الإخوة والأخوات للأب والأم أو للأب يشتركان في الميراث فإن لم يكن جد فالأخ للأب والأم ثم الأخ للأب ثم بنو الإخوة يقدم أقربهم سواء كان لأب وأم أو لأب فإن استويا في الدرجة فالذي هو لأب وأم ثم العم لأب وأم ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة ثم عم الأب ثم عم الجد على الترتيب فإن لم يكن أحد من عصابات النسب وعلى الميت، ولا فالميراث للمعتق فإن لم يكن حياً فلعصبات المعتق وأربعة من الذكور يعصبون الإناث: الابن وابن الابن والأخ للأب والأم والأخ للأب فلو مات عن ابن أو وبنت أو عن أخ وأخت لأب وأم أو لأب يكون المال. بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولا يفرض للبنت والأخت، وكذلك ابن الابن يعصب من في درجته من الإناث ومن فوقه إذا لم يأخذ من الثلثين شيئاً حتى لو مات عن بنتين وبنت ابن فللبنتين الثلثان لوا شيء لبنت الابن فإن كان في درجتها ابن ابن أو أسفل منها ابن ابن ابن كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين والأخت للأب والأم أو للأب تكون مع البنت عصبة حتى لو مات عن بنت وأخت كان للبنت النصف والباقي وهو النصف للأخت ولو مات عن بنتين وأخت كان للبنتين الثلثان والباقي للأخت ويدل على ذلك ما روي عن هزيل بن شرحبيل قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن أخت فقال: للابنة النصف وللأخت النصف وائت ابن مسعود.
فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال ابن مسعود: لقد ضللت وما أنا من المهتدين ثم قال اقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأخبر أبو موسى بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم أخرجه البخاري. وأما تفسير فقوله تعالى يوصيكم الله أي يعهد إليكم ويفرض عليكم في أولادكم يعني في أمر من أولادكم إذا متم والوصية من الله إيجاب وإنما بدأ الله تعالى يذكر ميراث الأولاد لأن تعلق قلب الإنسان بولده أشد من تعلقه بغيره فلهذا قدم الله ذكر ميراثهم للذكر مثل حظ الأنثيين يعني أن الولد الذكر له من الميراث ضعفا سهام الأنثى فللذكر سهمان وللأنثى سهم فلو حصل مع الأولاد غيرهم من الورثة من أهل الفروض كالأبوين أخذوا فروضهم وما بقي بعد ذلك كان بين الأولاد للذكر مثل حظ الانثيين {فإن كن} يعني المتروكات من الأولاد {نساء فوق اثنتين} يعني بنتين فصاعداً {فلهن ثلثا ما ترك} وأجمعت الأمة على أن للبنتين الثلثين إلاّ ما روي عن ابن عباس أنه ذهب إلى ظاهر الآية وقال: الثلثان فرض الثلاث من البنات لأن الله تعالى قال: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} فجعل الثلثين للنساء إذا زدن على الثنتين. وعنده أن فرض الثنتين النصف كفرض الواحدة وأجيب عنه بوجوده فيها حجة لمذهب الجمهور أيضاً: الوجه الأول أن الله تعالى قال: {وإن كانت واحدة فلها النصف فجعل للواحدة} وذلك ينفي حصول النصف نصيباً للبنتين. الوجه الثاني في الآية تقديماً وتأخيراً والتقدير: فإن كن نساء اثنتين فما فوقها فلهن الثلثان. والوجه الثالث أن لفظة فوق ها هنا صلة والتقدير فإن كن نساء اثنتين فهو كقوله: {فاضربوا فوق الأعناق} يعني فاضربوا الأعناق وإنما سمى الاثنتين نساء بلفظ الجمع، لأن العرب تطلق على الاثنين جماعة بدليل قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} الوجه الرابع قال علماء الجمهور: وإنما أعطينا البنتين الثلثين بتأويل القرآن لأن الله تعالى جعل للبنت الواحدة النصف بقوله تعالى: {وإن كانت واحدة فلها النصف} وجعل للأخت الواحدة النصف بقوله: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} ثم جعل للأختين الثلثين بقوله: {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان} فلما جعل للأختين الثلثين علمنا أن للبنتين الثلثين قياساً على الأختين. الوجه الخامس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالثلثين لابنتي سعد بن الربيع وهذا نص واضح في المسألة.
قوله تعالى: {وإن كانت واحدة} يعني البنت واحدة {فلها النصف} يعني فرضاً لها {ولأبويه} يعني أبوي الميت كناية عن غير مذكور وهما والده {لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد} يعني أن للأب والأم مع وجود الولد أو ولد الابن لكل واحد منهما سدس الميراث. واعلم أن اسم الولد يقع على الذكر والأنثى فإذا مات الميت وترك أبوين وولداً ذكراً واحداً كان أو أكثر أو ترك بنات فإن للأم السدس بالفرض وللأب السدس مع الولد بالذكر بالفرض ومع البنات له السدس بالتعصيب وهو الباقي من التركة وله مع البنت الواحدة السدس بالفرض والباقي بالتعصيب {فإن لم يكن له ولد} يعني للميت {وورثه أبواه فلأمه الثلث} يعني أن الميت إذا مات عن أبوين وليس له وارث سواهما فإن الأم تأخذ الثلث بالفرض ويأخذ الأب باقي المال بالفرض والتعصيب. فيكون المال بينهما أثلاثاً للذكر مثل حظ الانثيين فإن كان مع الأبوين أحد الزوجين فيفرض للأم ثلث الباقي بعد نصيب الزوج أو الزوجة {فإن كان له} يعني للميت {إخوة} يعني ذكوراً أو إناثاً {فلأمه السدس} يعني لأم الميت سدس للتركة إذا كان معها أب وأجمع العلماء على أن الثلاثة يحجبون الأم من الثلث السدس وأن الأخ الواحد والأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس. واختلفوا في الأخوين فالأكثرون من الصحابة يقولون الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وهذا قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت والجمهور. وقال ابن عباس: لا تحجب الإخوة الأم من الثلث إلى السدس إلاّ أن يكونوا ثلاثة. قال ابن عباس لعثمان: لم صار الأخوين يردان الأم من الثلث إلى السدس، وإنما قال الله تعالى: {فإن كان له إخوة} والأخوان في لسان قومك ليسا بأخوة فقال عثمان: يا بني إن قومك حجبوها بأخوين ولا أستطيع نقد أمر قد كان قبلي وإنما نشأ هذا الاختلاف لأنهم اختلفوا في أقل الجمع وفيه قولان: أحدهما أن أقل الجمع اثنان وهو قول أبي بكر الباقلاني. وحجة هذا القول أنك إذا جمعت واحد إلى واحداً فهما جماعة لأن أصل الجمع ضم شيء. وقال ابن الأنباري: التثنية عند العرب أول الجمع مشهور في كلامهم إيقاع الجمع على التثنية فمن ذلك قوله تعالى: {وكنا لحكمهم شاهدين} وهما داود وسليمان عليهما السلام ومنه قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} يريد قلباكما. والقول الثاني أن أقل الجمع ثلاثة وهو قول الجمهور العلماء وهو الأصح. إنما حجب العلماء الأم بالأخوين لدليل اتفقوا عليه وهو أن لفظ الاخوة يطلق على الأخوين فما زاد وذلك جائز في اللغة كما تقدم ثم إن الإخوة إذا حجبوا الأم من الثلث إلى السدس فإنهم لا يرثون شيئاً البتة بل يأخذ الأب الباقي كرجل مات عن أبوين وأخوين فإن للأم السدس والباقي وهو خمسة أسداس للأب سدس بالفريضة والباقي بالتعصيب قال قتادة: وإنما حجب الأخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب شيئاً معونة للأب لأنه يقوم بشأنهم وينفق عليهم دون الأم {من بعد وصية يوصي بها أو دين} يعني أن هذه الأنصباء والسهام إنما تقسيم بعد قضاء الدين وانفاذ وصية الميت في ثلثه وذكر الوصية مقدم على الدين في اللفظ لا في الحكم لأن لفظه أو لا توجب الترتيب.
وإنما هي لأحد الشيئين كأنه قال من بعد أحد هذين مفرداً أو مضموناً إلى الآخر قال علي رضي الله عنه: إنكم تقرؤون الوصية قبل الدين. وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية وهذا إجماع على أن الدين مقدم على الوصية والإرث مؤخر عنهما لأن الدين حق على الميت والوصية حق له وهما يتقدمان على حق الورثة.
قوله تعالى: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً} قيل هذا كلام معترض بين ذكر الوارثين وأنصبائهم وبين قوله فريضة من الله ولا تعلق لمعناه بمعنى الآية ومعنى هذا الكلام في قول ابن عباس: إن الله عز وجل يشفع المؤمنين بعضهم في بعض فأطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة، فإن كان الوالد أرفع درجة من ولده رفع الله درجة ولده إليه وإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع الله إليه لتقر بذلك أعينهم فقال تعالى: {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً} لأن أحدهما لا يعرف منفعة صاحبه له في الجنة وسبقه إلى منزلة عالية تكون سبباً لرفعته إليها، وقيل إن هذا الكلام ليس معترضاً بينهما ومعناه متعلق بمعنى الآية يقول آباؤكم وأبناؤكم يعني الذين يرثونكم أيهم أقرب لكم نفعاً أي لا تعلمون أيهم أنفع لكم في الدين والدنيا. فمنكم من يظن أن الأب أنفع له فيكون الابن أنفع له ومنكم من يظن أن الابن أنفع له فيكون الأب أنفع له ولكن الله هو الذي دبر أمركم على ما فيه المصلحة لكم فاتبعوه ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم فتعطون من لا يستحق ما لا يستحق من الميراث وتمنعون منم يستحق الميراث {فريضة من الله} يعني ما قدر من المواريث لأهلها فريضة واجبة {إن الله كان عليماً حكيماً} يعني كان عليماً بالأشياء قبل خلقها حكيماً فيما قدر من الفرائض وفرض من الأحكام، وقيل معناه عليماً بخلقه قبل أن يخلقهم حكيماً حيث فرض للصغار مع الكبار ولم يخص الكبار بالميراث كما كانت العرب تفعل وفي معنى لفظة كان ثلاثة أقوال: أحدها أن الله تعالى كان عليماً بالأشياء قبل خلقها ولم يزل كذلك، والثاني حكى الزّجاج عن سيبويه أنه قال: إن القول لما شاهدوا علماً وحكمة ومغفرة وفضلاً قيل لهم إن الله كان كذلك ولم يزل الله على ما شاهدتم. الثالث قال الخليل الخبر عن الله عزّ وجلّ بمثل هذه الأشياء كالخبر بالحال والاستقبال لأن صفات الله تعالى لا يجوز عليها الزوال والتقلب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8